كم من قضية ناجحة خسرت لأن وراءها محام فاشل، وكم من قضية فاشلة فازت لأن وراءها محام ناجح !
ما يجري الآن في مواقع التواصل الاجتماعي يؤكد هذه المقولة، ويؤكد أيضا أن الحقيقة أصبحت تائهة وسط الجلبة التي أحدثها الهاشتاغ الثلاثي المنتشر بقوة في ذات المواقع.
فالداعون إلى تخفيض ثمن المحروقات لم ينتبهوا إلى أن العودة إلى أسعار 7 و 8 دراهم تبقى صعبة جدا في ظل ظروف اقتصادية وجيو سياسية مختلفة تماما عما كانت عليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي لم يكتفوا بالدعوة إلى رحيل رئيس الحكومة عزيز أخنوش وتخفيض الأسعار وأصروا على تحديد الثمن الجديد.
هذا المعطى جعل المعارضين للهاشتاغ يظهرون بكثرة، ويعتبرون أن الحملة عبثية وأن من وراءها مجرد غوغاء لا يفهمون حقيقة ما يدور عالميا.
وعليه، فقد طفت على سطح الموقعين الأزرقين، فيسبوك وتويتر، عدة تدوينات وحتى فيديوهات تشرح بشكل مفصل أن مسألة العودة لأسعار ما قبل الحرب صعبة وربما مستحيلة، لعدة أسباب ترتبط بكون السعر لا يرتبط فقط بقيمة البرميل، بل بعدة تفاصيل أخرى كالنقل وغيره.
بل إن هناك من أثبت بالأرقام والبيانات أن شركات المحروقات في المغرب كانت تخسر طيلة شهر يونيو (رغم سعر اللتر المرتفع)، قبل أن تعوض ذلك قليلا في شهر يوليوز.
من جانبهم، يصر أصحاب الهاشتاغ على أن المسألة تتجاوز الأرقام التي لا تكذب، إلى مسؤولين يجيدون لي عنق الحقيقة، ويراكمون الأرباح، وبالتالي فالعودة إلى الثمن السابق هي مجرد وسيلة من الشعب لاسترجاع ما تم أخذه بحجة الجشع ولا شي غيره، وفق رأيهم.
ومن خارج المغرب، انتشرت تغريدة لخبير بريطاني أوضح فيها أن أكثر من 500 حساب على تويتر تم إحداثها خلال اليومين الأخيرن معتبرا إياها "حسابات مزيفة".
ما لم يدركه الخبير أن هذه الحسابات ليست سوى حسابات مغاربة قادمين من فيسبوك للمشاركة في الحملة، والذين أنشأوا حساباتهم للتو، والذين شاركوا التغريدة أيضا مع تعليق ساخر يقول "أنا حساب مزيف".
تضارب وفوضى وغياب للحقائق إذن، يقابله صمت من طرف الحكومة وغياب التواصل، فكل ما نشر على مواقع التواصل كان يمكن أن يصدر عن الحكومة وبشكل دقيق وواضح، كي يعرف المواطن حقا حدود الممكن وغير الممكن، فلا يطالب بالمستحيل، ولا يتحول الاحتجاج المنطقي إلى مطالب غير واعية لا يدري أحد إلى أين يمكن أن تصل.
وسط كل هذا، صار لزاما إذن على الحكومة أن تخرج للرأي العام بتوضيحات لا غبار عليها، بخصوص أسعار المحروقات والزيادات "اللا منطقية" التي تعرفها.. ومثلما تفهّم المواطن المغربي عشرات الزيادة الأخرى، ففي الغالب سيتفهم هذه.. ما لم يكن للحكومة رأي آخر.